“معجزة” إدارة المياه في دولة الاحتلال الإسرائيلي: حقيقة ام تزييف اعلامي

  • Home
  • “معجزة” إدارة المياه في دولة الاحتلال الإسرائيلي: حقيقة ام تزييف اعلامي
images
“معجزة” إدارة المياه في دولة الاحتلال الإسرائيلي: حقيقة ام تزييف اعلامي

أ.د. ماجد ابوزريق – أستاذ في هندسة المياه والبيئة، رئيس جامعة اربد الاهلية

انتشرت مؤخرا مجموعة من الفيديوهات الاسرائيلية تتناول ما يسمى بمعجزات إسرائيل المائية وإبراز إنجازات إسرائيل كمثال فريد في العالم في إدارة المياه والتعاون المائي الاقليمي بين إسرائيل والأردن ودول الجوار. حيث تروِّج هذه الفيديوهات لصورة أن إسرائيل حوّلت نفسها من دولة تعاني شح المياه إلى دولة ذات فائض مائي يفوق حاجتها بنسبة 20%. ويعرض أحد الفيديوهات  مشاريع بنية تحتية إسرائيلية حديثة (وُصفت بأنها صادمة للعالم) لنقل المياه وتوفيرها، مع التطرق ضمنيًا إلى صفقات المياه بين إسرائيل والأردن. فيما يلي تقييم تحليلي للغة الخطاب والمضمون لهذا الفيديو 1، لبحث ما إذا كان منحازًا لصالح الرواية الإسرائيلية على حساب الحقوق والحقائق التاريخية، وذلك من خلال مقارنة محتوى الفيديو بمصادر موثوقة مستقلة حول إدارة الموارد المائية المشتركة.

لغة الخطاب في الفيديو

تستخدم الفيديوهات لغة دعائية تمجد الدور الإسرائيلي بصورة واضحة. فعلى سبيل المثال، يُصرّح في بداية الفيديو 1 بأن إسرائيل فعلت المستحيل: دولة صحراوية تنتج الآن مياهًا تزيد 20 % عن استهلاكها.” هذه العبارة تحمل نبرة احتفاءيه مبالغ فيها، إذ تصوّر سياسات المياه الإسرائيلية كمعجزة خارقة. لا شك أن إسرائيل حققت تقدّمًا تقنيًا مهمًا في مجال تحلية المياه وإعادة استخدامها – فقد أنشأت سلسلة من محطات التحلية التي جعلتها تمتلك فائضًا مائيًا لأول مرة في تاريخها  ولكن أسلوب العرض في الفيديو يتبنى تعابير مطلقة وإيجابية جدًا )”فعلت المستحيل”،  “تفاجئ العالم”) كاد تخلو من أي توازن نقدي . هذا الأسلوب يعد مؤشرًا أوليًا على ميل الخطاب لخدمة صورة إسرائيل والإشادة بها دون تحفظ.

من جانب آخر، يلاحظ غياب تام لأي مصطلحات تشير إلى التحديات أو المسؤوليات المترتبة على إسرائيل في إدارة المياه في منطقة تعاني الشح» نقطة مضيئة «الموارد المائية المشتركة. فالفيديو يتحدث عن “فائض المياه” الإسرائيلي كالمائي، لكنه لا يستخدم لغة مماثلة لتسليط الضوء على معاناة الأردن المزمنة من نقص المياه أو على حقوقه المائية. الانتقائية في اللغة واضحة: التركيز على مفردات مثل “الابتكار” و”الفائض” و”التعاون” عند الحديث عن إسرائيل، مقابل تفادي أي تعبير قد يوحي بأن لإسرائيل دورًا سلبيًا سابقًا في أزمة المياه بالمنطقةهذه الانتقائية اللغوية تسهم في تشكيل انطباع أحادي إيجابي عن الجانب الإسرائيلي لدى المشاهد.

انحياز المحتوى لصالح إسرائيل مقابل الحقوق الأردنية

عند تحليل مضمون الفيديو، نجد أنه يركّز على وجهة النظر الإسرائيلية في قضايا المياه المشتركة، مع تهميش ملحوظ لمنظور الأردن التاريخي والحقوقي يستعرض الفيديو مشاريع إسرائيل المائية – مثل ناقل المياه الوطني الجديد لضخ مياه البحر المتوسط المحلاة إلى بحيرة طبريا – بوصفها حلولًا تخدم المنطقة بأسرها، بل ويذكر أن هذه البنية ستمكّن إسرائيل من “مضاعفة إمداداتها المائية للأردن” ضمن اتفاقية الماء مقابل الطاقة الحديثة. غير أن الطريقة التي يُقدَّم بها هذا التعاون قد توحي بأن إسرائيل تمنح المياه لجارها “العطِش” تكرّمًا منها. في الواقع، المصادر المستقلة ترسم صورة مختلفة: اتفاقيات المياه بين البلدين قائمة على صيغ تعاقدية وتجارية وليس على هبات مجانية  فمثلًا، نصّت معاهدة السلام 1994 على تزويد إسرائيل للأردن بكميات سنوية محددة مقابل أثمان رمزية، وقد أُبرمت مؤخرًا صفقة لبيع الأردن 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه) أي مضاعفة الكمية السنوية تقريبًا) وفق ترتيبات تجارية واضحة.  أي أن ما يسوّقه الفيديو كأنه مكرمة إسرائيلية ما هو إلا اتفاق بيع وشراء لتعويض عجز الأردن المائي. ان تجاهل ذكر الطبيعة التجارية للصفقة في الفيديو يُظهرانحيازًا في ترتيب المعلومات بهدف إظهار إسرائيل في موقف المعطي الكريم بدلًا من الالتزام باتفاقات ملزمة.

الأكثر من ذلك، يفتقر المحتوى إلى إبراز أن المياه قضية حقوق وليست فضل او منّة. فعند حديثه عن دور المياه في اتفاق السلام، يذكر الفيديو – على لسان أحد المتحدثين – أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين “عرض على الأردن 50مليون متر مكعب سنويًا”(لتحقيق السلام) في إشارة إلى مفاوضات 1994. هذا السرد يُبرز المبادرة الإسرائيلية فقط، متجاهلًا أن الماء كان مطلبًا أردنيًا أساسيًا وحقًا مشروعًا استعادته عمّان عبر المعاهدة. تؤكد التقارير أن المياه شكّلت محورًا رئيسيًا في معاهدة وادي عربة عام 1994، حيث اعترفت إسرائيل بحصة سنوية ثابتة للأردن من مياه نهرَي الأردن واليرموك بعد عقود من التوتر حولها. لذا، تصوير الأمر كأنه تنازل إسرائيلي أحادي فيه تحريف للتاريخ؛ الصحيح أنّ الاتفاق كرّس حقوقًا أردنية كانت مهضومة قبل 1994. فقد قامت إسرائيل لعقود قبل السلام بمشاريع أحادية الجانب لتحويل مياه الأنهر لصالحها، مما حرم الأردن وجيرانه من حصصهم وأدى إلى نزاعات إقليمية خطيرة. على سبيل المثال، شرعت إسرائيل في الخمسينيات بتنفيذ مشروع ناقل المياه القطري الذي حول جزءًا كبيرًا من مياه بحيرة طبريا ونهر الأردن إلى النقب بشكل منفرد، متجاهلة اعتراضات دول المصب. هذه الخطوات ساهمت في تصعيد التوتر المائي وأدت في النهاية إلى مواجهات عسكرية – إذ يُذكر أن الخلاف على توزيع مياه نهر الأردن كان أحد عوامل حرب  1967. كل هذه الحقائق غائبة تمامًا عن الفيديو، مما يجعل سردية التاريخ مبتورة ومنحازة تُظهر إسرائيل كمصدر للحل والسلام المائي دون الإشارة لمسؤوليتها السابقة في إشعال حرب المياه الإقليمية.

كما يغفل الفيديو الخلافات المستمرة بين الجانبين حول إدارة الموارد المشتركة نتيجة لنكوص إسرائيل المتكرر من تنفيذ الاتفاقات. فهو يكتفي بذكر مشهد التعاون (كتوقيع اتفاقيات جديدة) دون أي إشارة إلى التوترات. ولكن وفقًا لمصادر موثوقة، لا يزال الجدل قائمًا بين عمّان وتل أبيب حول تقاسم المياه وتلوث الأنهار وتأخر بعض المشاريع. فعلى أرض الواقع تبادل المسؤولون الأردنيون والإسرائيليون مرارًا الاتهامات بشأن مسؤولية كل طرف عن تفاقم مشكلة شح المياه نتيجة إدارة الموارد المشتركة. على سبيل المثال، يتهم الأردن إسرائيل بأنها تستغل مياه نهر اليرموك وروافد نهر الأردن بشكل يفوق المتفق عليه، فيما تتذرع إسرائيل بأن سياسات الري والسدود في سوريا والأردن تؤثر على كميات التدفق. هذا السجال – الذي يشكل جوهر الخطاب الإعلامي حول الحقوق المائية في المنطقة – لم يبرز في محتوى الفيديو إطلاقًا. تجاهل وجهة النظر الأردنية الناقدة يُعد شكلًا من أشكال التحيّز عبر الإقصاء: حيث يسمع المشاهد رواية تعاون فردية منحازة، بينما الواقع أكثر تعقيدًا وصراعًا مما عُرض.

ومن جوانب الانحياز أيضًا إغفال قضايا محورية تمس الحقوق المائية للأردن والدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، لا يتطرق الفيديو إلى موضوع الحقوق المائية الفلسطينية التي طالما كانت محل انتقاد دولي لإسرائيل. منذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967  ، سيطرت إسرائيل على معظم مصادر المياه هناك(96% من مصادر المياه) وفرضت قيودًا صارمة على استعمال الفلسطينيين لمياههم . لقد حولت مجرى نهر الأردن وأغلقت ضفتيه منطقةً عسكرية، ما حرم الفلسطينيين تمامًا من الوصول إلى مياه النهر السطحية . هذه الحقائق موثقة في تقارير الأمم المتحدة التي تتحدث عن تحكم إسرائيل وتحويلها للموارد المائية في الأراضي المحتلة. عدم ذكر أي من ذلك في سياق الحديث عن “التعاون الإقليمي في المياه” يُظهر أن الفيديو ينتقي ما يخدم صورة إسرائيل ويتجنب ما قد ينتقص منها، رغم أن خطاب العدالة المائية في الإعلام الدولي يشمل حتمًا حقوق الشعب الفلسطيني المائية كجزء لا يتجزأ من النزاع . هذا التجاهل يؤكد المنحى غير المحايد للفيديو، الذي ركّز على رواية أحادية ولم يمنح القضايا الأخرى مساحة مستحقة.

دقة الحقائق التاريخية والعلمية في المحتوى

وإذا ما نظرنا إلى المعلومات الواردة في الفيديو، نجد مزيجًا من حقائق صحيحة مع تحوير في السياق أو نقص متعمد للحقائق. فمن جهة، لم يختلق الفيديو وقائع مفبركة، بالفعل نجحت إسرائيل عبر تقنياتها الحديثة) التحلية وإعادة تدوير المياه (في تحقيق أمن مائي نسبي وتخفيف اعتمادها على مياه الأمطار. وهي اليوم أول دولة في العالم تضخ مياهًا محلاة إلى بحيرة طبيعية) بحيرة طبريا) كخزان استراتيجي، كما أنها رائدة عالميًا في إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة للزراعة. هذه إنجازات حقيقية مثبتة في تقارير دولية، بل وتعد نموذجًا تتطلع إليه دول أخرى. كذلك صحيح أن إسرائيل زادت كميات المياه المقدمة للأردن في السنوات الأخيرة: فقد وافقت عام 2021 على تزويد الأردن ب 50 م3 سنويا ثم اتفق الجانبان على مشروع أوسع لتبادل، الى مضاعفة ما تزوّده به سنويًا إلى ~ ³100 مليون م³ سنويً، ثم ومن خلال تفاهمات المياه مقابل الطاقة (تحلية إسرائيلية مقابل كهرباء أردنية شمسية (بكمية قد تصل 200 مليون م³ العقد القادم. كل هذه النقاط وردت في الفيديو بشكل أو بآخر وهي صحيحة من حيث الأرقام المجردة.

بيد أن الإشكال في العرض تمثل في غياب الخلفية والسياق الضروري لفهم هذه الأرقام. فعندما يذكر الفيديو مثلًا أن “الأردن أحد أكثر بلدان العالم عطشًا وأن إسرائيل تمدّه بالماء” يوحي ذلك بأن الحل يأتي حصريًا من طرف واحد. لكنه لا يوضح أن الأردن رغم فقره المائي اتخذ خطوات استراتيجية أيضًا لحل أزمته بمعزل عن إسرائيل. فعلى أرض الواقع، تعمل المملكة على تنفيذ مشروع الناقل الوطني الأردني (تحلية مياه البحر الأحمر في العقبة بقدرة 300 مليون م3 سنويًا أو أكثر ونقلها إلى الشمال، كحل جذري لمشكلة نقص المياه ، هذا المشروع الذي أُطلق بعد تعثر مشروع ناقل البحرين المشترك مع إسرائيل بسبب انسحاب اسرائيل منه ، تجاهل الفيديو لهذه الحقيقة يخل بتوازن الصورة؛ إذ يظهر الأردن وكأنه يعتمد بالكامل على إسرائيل، بينما الواقع أن لدى الأردن خطة بديلة ضخمة قيد التنفيذ. الدقة الموضوعية كانت تقتضي ذكر هذه الجهود الأردنية ضمن سياق الحديث عن الأزمة المائية.

أيضًا، لم يصحح الفيديو بعض الانطباعات الخاطئة التي ربما تتولد لدى المشاهد غير المطلع. على سبيل المثال، قد يعتقد المرء من الطرح أن إسرائيل تزود الأردن بمياهها الفائضة لأن الأردن جاف تمامًا، دون أن يعرف أن معاهدة السلام ضمنت للأردن حصصًا تاريخية من مياه مشتركة. المياه التي “تعطيها” إسرائيل للأردن تأتي بمعظمها من بحيرة طبريا ونهر الأردن المتصلين جغرافيًا بالأردن، أي أنها ليست بالضرورة مياه إسرائيلية خالصة . كذلك لم يذكر الفيديو أن سعر بيع الماء للأردن وفق الاتفاقيات متفق عليه قرابة 1 دولار للمتر المكعب (، مما يعني أن المسألة ليست مساعدة مجانية بل ترتيب تعاقدي يعود بالنفع على الطرفين: الأردن يؤمّن حاجته، وإسرائيل تصرّف فائض إنتاجها من مياه التحلية. اذ ان هذه التفاصيل مهمة لفهم طبيعة التعاون بدقة، ولكنها غابت عن المحتوى.

من جهة أخرى، أغفل الفيديو الآثار البيئية والإقليمية لإدارة إسرائيل لموارد المياه. فبينما تباهى بفائض المياه الإسرائيلي، فقد دمرت إسرائيل النظام البيئي لبحيرة الحولة ونهر الأردن وحوض البحر الميت برمته، ولم يتطرق إلى أن هذا الفائض تحقق بعد عقود من استنزاف الأنهر الجوفية والسطحية في المنطقة. تشير دراسات موثوقة إلى أن تدفق مياه نهر الأردن اليوم أقل من 10 % من مستواه التاريخي بسبب سحب المياه المفرط لمنابع نهر الأردن من قبل إسرائيل. وقد أدى هذا الانخفاض الحاد إلى تجفيف أجزاء كبيرة من النهر وإلى تراجع غير مسبوق في مستوى مياه البحر الميت المجاور. هذه الحقائق العلمية غائبة تمامًا عن الفيديو، رغم أنها الوجه الآخر ل”معجزة”  تحقيق الأمن المائي الإسرائيلي. فلو وُضع الأمر في نصابه العلمي، لوجب القول إن ما حققته إسرائيل داخليًا جاء بكلفة بيئية وإقليمية عالية شاركت فيها قبل أن تلجأ للتحلية. إن تغييب هذه المعلومات يخلّ بموضوعية السرد العلمي في الفيديو.

انحياز في الضيوف ووجهات النظر

على صعيد بناء المحتوى، يُلاحظ أن الفيديو يفتقر للتوازن في وجهات النظر المقدمة. فهو أشبه بتقرير أحادي الصوت؛ إذ لا يظهر فيه أي متحدث أو محلل أردني، ولا مسؤول دولي محايد، بل اعتماد بشكل كامل على مصادر إسرائيلية. إن وُجدت مقابلات مقتضبة، فهي – بحسب ما يمكن استنتاجه – مع خبراء إسرائيليين أو شخصيات تتبنى المنظور الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، قد أشار الفيديو إلى رأي مسؤول في شركة المياه الإسرائيلية الحكومية) ميكوروت) حول قدرة المشروع الجديد (تفاهمات الماء مقابل الطاقة) على دعم الأردن، من دون أن يقابله رأي لمسؤول أردني في وزارة المياه يشرح احتياجات الأردن أو تحفظاته. (يذكر ان الأردن انسحت من هذه التفاهمات على اثر حرب الإبادة على غزة)  كذلك ربما استعان بتصريحات إيجابية مثل وصف منظمة إيكوبيس، وهي منظمة إقليمية يقودها أيضا إسرائيليون، للصفقة بأنها “حدث مفصلي” ، لكنه لم يأتِ بتصريح من طرف أردني ناقد أو حتى متحفظ. اختيار الضيوف والمصادر بهذا الشكل أحادي الاتجاه يدل على تحيز واضح؛ فهو يضمن ألا يخرج النقاش في الفيديو عن ثناء الإنجاز الإسرائيلي والترويج للتعاون وفق الشروط الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، يظهر انحياز في ترتيب المعلومات وأولوياتها . فقد قدّم الفيديو إنجازات إسرائيل التقنية ثم تعاونها مع الأردن، لكنه لم يمنح السياق التاريخي أو السياسي نفس الاهتمام. فبدلاً من البدء بخلفية النزاع المائي أو آراء الجانبين، افتتح بمشهد “إسرائيل التي تفاجئ العالم” وربط المشاهد فورًا بذهنية الإنجاز الإسرائيلي. أي أن ترتيب السرد صُمم ليبني تعاطفًا مع إسرائيل من البداية قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى. وحتى حين تطرّق للتعاون مع الأردن، جاء ذلك كامتداد لإنجاز إسرائيل التقني. هذا الترتيب يوحي بأن الأردن مستفيد تابع للريادة الإسرائيلية، وهو إيحاء منحاز لا يعكس حقيقة أن الأردن شريك له حقوقه ومساهماته. كما أن المحتوى لم يذكر أي تحفظات أو معارضة داخل الأردن لهذا التعاون. فعلى أرض الواقع، هناك جدل داخلي في الأردن حول الاعتماد على إسرائيل في المياه، وخرجت مظاهرات وانتقادات لتفاهمات الماء-مقابل-الكهرباء، حيث يعتبرها البعض تطبيعًا ينتقص من السيادة المائية الأردنية. هذه الأصوات الغائبة في الفيديو كانت ستعطي صورة أكثر شمولاً، لكن تجاهلها يعكس انتقائية متعمدة لتثبيت سردية “التعاون الناجح” فقط.

والخلاصة، وبأسلوب موضوعي يمكن القول إن الفيديو منحاز في طرحه لصالح الرواية الإسرائيلية بشأن قضايا المياه المشتركة. لقد قدّم إنجازات إسرائيل التقنية والدبلوماسية في إدارة المياه دون تمحيص كافٍ للسياق التاريخي والسياسي الذي يحيطها، متجنبًا الإضاءة على أي جوانب سلبية أو حتى أصوات مغايرة. أظهر إسرائيل كمنقذ ومبتكر، مقابل تصوير الأردن كمستفيد صامت، متجاهلًا حقوق الأردن المكتسبة وصوته في المعادلة. كماغابت قضايا جوهرية مثل النزاع على حقوق المياه أو استخدام المياه كورقة ضغط، وهي عناصر موثقة في تقارير الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لا يمكن إغفالها عند تناول موضوع المياه في هذه المنطقة. إسرائيل متقدمة تقنيًا لكنها أيضًا كانت تاريخيًا طرفًا في مشكلة شح المياه الإقليمية، والأردن يعاني شحًا شديدًا لكنه أيضًا صاحب حق وشريك نشط يسعى لحلول مستقلة. التوازن المفقود في الفيديو يؤدي إلى انطباع عام يميل لصالح إسرائيل واستخدام عبارات تمجيديه مثل “إسرائيل تفعل المستحيل”، مقابل غياب أي نقد أو حتى إقرار بأن لسياسات إسرائيل السابقة دورًا في أزمة المياه، هو مؤشر تحيّز واضح في اللغة والمضمون ويعزز أحادية الرسالة.

بناءً على التحليل الموثق أعلاه، يمكن الجزم بأن الفيديو يتضمن تحيّزًا ملموسًا لصالح إسرائيل في طرح قضية المياه الأردنية الإسرائيلية المشتركة. وقد تحقق ذلك عبر انتقاء اللغة الإيجابية، وانتقاء الحقائق المُقدّمة، وغياب وجهة النظر المقابلة. وهذا من المنظور الإعلامي المهني، يُعد إخلالًا بمعايير الموضوعية والتوازن الواجب مراعاتها في التقارير المتعلقة بالنزاعات والحقوق.  لقد حاولت في هذا التقرير إعطاء صورة أكثر توازنًا وموضوعية عبر مواجهة ادعاءات الفيديو بالحقائق التاريخية والعلمية المثبتة، وهو ما يكشف الفروق بين الرواية الأحادية المقدمة والواقع المركب على الأرض.

Leave a comment

Computer Center. Irbid National University. All rights reserved ©2025,

 

Activate reading